فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأمَّر النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم، ودام الحال كذلك بضعًا وعشرين ليلة لم تكن بينهم فيها حرب إلا مصارعة بين ثلاثة فرسان اقتحموا الخندق من جهة ضيقة على أفراسهم فتقاتلوا في السبخة بين الخندق وسلْع وقُتل أحدهم قتلَه علي بن أبي طالب وفرّ صاحباه، وأصاب سهمٌ غرْب سعد بن معاذ في أكْحله فكان منه موته في المدينة.
ولحقت المسلمين شدّة من الحصار وخوف من كثرة جيش عدوّهم حتى همّ النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصالح الأحزاب على أن يعطيهم نصف ثمر المدينة في عامهم ذلك يأخذونه عند طيبه وكاد أن يكتب معهم كتابًا في ذلك، فاستشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقال سعد بن معَاذ: قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرىً أو بَيْعًا، أفحين أكرَمَنا الله بالإسلام وأعزَّنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عزم عليه.
وأرسل الله على جيش المشركين ريحًا شديدة فأزالت خيامهم وأكْفأت قدورَهم وأطفأت نيرانهم، واختلّ أمرهم، وهلك كراعهم وخُفهم، وحدث تخاذل بينهم وبين قريظة وظنت قريش أن قريظة صالحت المسلمين وأنهم ينضمون إلى المسلمين على قتال الأحزاب، فرأى أهل الأحزاب الرأي في أن يرتحلوا فارتحلوا عن المدينة وانصرف جيش المسلمين راجعًا إلى المدينة.
فقوله تعالى: {إذ جاءتكم جنودٌ} ذُكر توطئة لقوله: {فأرسلنا عليهم ريحًا} الخ لأن ذلك هو محلّ المنّة.
والريح المذكورة هنا هي ريح الصَّبا وكانت باردة وقلعت الأوتاد والأطناب وسفت التراب في عيونهم وماجت الخيل بعضها في بعض وهلك كثير من خيلهم وإبلهم وشائهم.
وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نُصرتُ بالصَّبا وأُهلكتْ عاد بالدبور».
والجنود التي لم يروها هي جنود الملائكة الذين أرسلوا الريح وألقوا التخاذل بين الأحزاب وكانوا وسيلة إلقاء الرعب في نفوسهم.
وجملة {وكان الله بما تعملون بصيرًا} في موقع الحال من اسم الجلالة في قوله: {نعمة الله} وهي إيماء إلى أن الله نصرهم على أعدائهم لأنه عليم بما لقيه المسلمون من المشقة والمصابرة في حفر الخندق والخروج من ديارهم إلى معسكرهم خارج المدينة وبذلهم النفوس في نصر دين الله فجازاهم الله بالنصر المبين كما قال: {ولينصُرَنّ الله مَنْ ينصره} [الحج: 40].
وقرأ الجمهور {بما تعملون بصيرًا} بتاء الخطاب.
وقرأه أبو عمرو وحده بياء الغيبة ومحملها على الالتفات.
والجنود الأوُّل جمع جند، وهو الجمع المتّحد المتناصر ولذلك غلب على الجمع المجتمع لأجل القتال فشاع الجند بمعنى الجيش.
وذكر جنود هنا بلفظ الجمع مع أن مفرده مؤذن بالجماعة مثل قوله تعالى: {جندٌ مَّا هنالك مهزوم من الأحزاب} [ص: 11] فجمعه هنا لأنهم كانوا متجمعين من عدة قبائل لكل قبيلة جيش خرجوا متساندين لغزو المسلمين في المدينة، ونظيره قوله تعالى: {فلما فصل طالوت بالجُنود} في سورة البقرة (249).
والجنود الثاني جمع جند بمعنى الجماعة من صنف واحد.
والمراد بهم ملائكة أُرسلوا لنَصْر المؤمنين وإلقاء الرعب والخوف في قلوب المشركين.
{إذْ جَاءُوكُمْ منْ فَوْقكُمْ وَمنْ أَسْفَلَ منْكُمْ}.
{إذ جاءوكم} بدل من {إذ جاءتكم جنود} [الأحزاب: 9] بدلَ مفصَّل من مجمل.
والمراد بفوق و{أسفل} فوق جهة المدينة وأسفلها.
و{وإذا زاغت الأبصار} عطف على البدل وهو من جملة التفصيل، والتعريف في الأبصار والقلوب والحناجر للعهد أي: أبصار المسلمين وقلوبهم وحناجرهم أو تجعل اللام فيها عوضًا عن المضافات إليها أي: زاغت أبصاركم وبلغت قلوبكم حناجركم.
والزَيغ: الميل عن الاستواء إلى الانحراف.
فزيغ البصر أن لا يرى ما يتوجه إليه أو أن يريد التوجه إلى صوب فيقع إلى صوب آخر من شدة الرعب والانذعار.
والحناجر: جمع حَنْجَرة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم: منتهى الحُلقوم وهي رأس الغلصمة.
وبلوغ القلوب الحناجر تمثيل لشدة اضطراب القلوب من الفزع والهلع حتى كأنها لاضطرابها تتجاوز مقارّها وترتفع طالبة الخروج من الصدور فإذا بلغت الحناجر لم تستطع تجاوزها من الضيق؛ فشبهت هيئة قلب الهلوع المرعُود بهيئة قلببٍ تجاوز موضعه وذهب متصاعدًا طالبًا الخروج فالمشبه القلبُ نفسه باعتبار اختلاف الهيئتين.
وليس الكلام على الحقيقة فإن القلوب لا تتجاوز مكانها وقريبٌ منه قولهم: تنفّس الصُعَداء وبلغت الروح التراقيَ.
وجملة: {وتظنون بالله الظنونا} يجوز أن تكون عطفًا على جملة {زاغت الأبصار} ويجوز أن يكون الواو للحال وجيء بالفعل المضارع للدلالة على تجدد تلك الظنون بتجدد أسبابها كناية عن طول مدة هذا البلاء.
وفي صيغة المضارع معنى التعجيب من ظنونهم لإدماج العتاب بالامتنان فإن شدة الهلع الذي أزاغ الأبصار وجعل القلوب بمثل حالة أن تبلغ الحناجر، دل على أنهم أشفقوا من أن يهزموا لمَا رأوا من قوة الأحزاب وضيق الحصار أو خافوا طول مدة الحرب وفناء الأنفس، أو أشفقوا من أن تكون من الهزيمة جراءة للمشركين على المسلمين، أو نحو ذلك من أنواع الظنون وتفاوت درجات أهلها.
والمؤمن وإن كان يثق بوعد ربه لكنه لا يأمن غضبه من جراء تقصيره، ويخشى أن يكون النصر مرجَّأ إلى زمن آخر، فإن ما في علم الله وحكمته لا يحاط به.
وحذف مفعولا {تظنون} بدون وجود دليل يدل على تقديرهما فهو حذف لتنزيل الفعل منزلة اللازم، ويسمى هذا الحذف عند النحاة الحذف اقتصارًا، أي: للاقتصار على نسبة فعل الظن لفاعله، والمقصود من هذا التنزيل أن تذهب نفس السامع كل مذهب ممكن، وهو حذف مستعمل كثيرًا في الكلام الفصيح وعلى جوازه أكثر النحويين ومنه قوله تعالى: {أعنده علم الغيب فهو يَرى} [النجم: 35] وقوله: {وظننتم ظن السوء} [الفتح: 12]، وقول المثل: من يسمع يَخل، ومنعه سيبويه والأخفش.
وضُمّن {تظنّون} معنى تُلحقون، فعدي بالباء فالباء للملابسة.
قال سيبويه: قولهم: ظننت به، معناه: جعلته موضع ظنّي.
وليست الباء هنا بمنزلتها في {كفى بالله حسيبًا} [النساء: 6]، أي: ليست زائدة، ومجرورها معمول للفعل قبلها كأنك قلت: ظننت في الدار، ومثله: شككت فيه، أي: فالباء عنده بمعنى في.
والوجه أنها للملابسة كقول دريد بن الصّمَّة:
فقلت لهم ظُنوا بألفي مدجج ** سراتهم في الفارسي المسرد

وسيأتي تفصيل ذلك عند قوله تعالى: {فما ظنكم برب العالمين} في سورة الصافات (87).
وانتصب {الظنونا} على المفعول المطلق المبين للعدد، وهو جمع ظن.
وتعريفه باللام تعريف الجنس، وجمعه للدلالة على أنواع من الظن كما في قول النابغة:
أبيتك عاريًا خلقًا ثيابي ** على خوف تظن بي الظنون

وكتب {الظنونا} في الإمام بألف بعد النون، زيدت هذه الألف في النطق للرعاية على الفواصل في الوقوف، لأن الفواصل مثل الأسْجاع تعتبر موقوفًا عليها لأن المتكلم أرادها كذلك.
فهذه السورة بنيت على فاصلة الألف مثل القصائد المقصورة، كما زيدت الألف في قوله تعالى: {وأطعنا الرسولا} [الأحزاب: 66] وقوله: {فأضلونا السبيلا} [الأحزاب: 67].
وعن أبي علي في الحجة: من أثبت الألف في الوصل لأنها في المصحف كذلك وهو رأس آية ورءوس الآيات تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع، فأما في طرح الألف في الوصل فإنه ذهب إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقواففٍ.
فأما القراء فقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بإثبات الألف في الوصل والوقف.
وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم والكسائي بحذف الألف في الوصل وإثباتها في الوقف.
وقرأ أبو عمرو وحمزة ويعقوب بحذف الألف في الوصل والوقف، وقرأ خلف بإثبات الألف بعد النون في الوقف وحذفها في الوصل.
وهذا اختلاف من قبيل الاختلاف في وجوه الأداء لا في لفظ القرآن.
وهي كلها فصيحة مستعملة والأحسن الوقف عليها لأن الفواصل كالأسجاع والأسجاع كالقوافي.
والإشارة ب {هُنَالك} إلى المكان الذي تضمنه قوله: {جاءتكم جنود} [الأحزاب: 9] وقوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} والأظهر أن تكون الإشارة إلى الزمان الذي دلت عليه {إذْ} في قوله: {وإذ زاغت الأبصار} وكثيرًا ما ينزّل أحد الظرفين منزلة الآخر ولهذا قال ابن عطية: {هنالك} ظرف زمان والعامل فيه ابتلي. اهـ.
قلت: ومنه دخول لات على هَنّا في قول حجل بن نضلة:
خنت نَوارُ ولات هَنَّا حنت ** وبدا الذي كانت نوار أجنت

فإن لات خاصة بنفي أسماء الزمان فكان هَنَّا إشارة إلى زمان منكر وهو لغة في هُنا.
ويقولون: يومُ هُنَا، أي يوم أول، فيشيرون إلى زمن قريب، وأصل ذلك مجاز توسع فيه وشاع.
والابتلاء: أصله الاختبار، ويطلق كناية عن إصابة الشدة لأن اختبار حال الثبات والصبر لازم لها، وسمى الله ما أصاب المؤمنين ابتلاء إشارة إلى أنه لم يزعزع إيمانهم.
والزلزال: اضطراب الأرض، وهو مضاعف زَلّ تضعيفًا يفيد المبالغة، وهو هنا استعارة لاختلال الحال اختلالًا شديدًا بحيث تُخَيَّل مضطربة اضطرابًا شديدًا كاضطراب الأرض وهو أشدّ اضطرابًا للحاقه أعظم جسم في هذا العالم.
ويقال: زُلْزلَ فلان، مبنيًا للمجهول تبعًا لقولهم: زُلزلت الأرض، إذ لا يعرف فاعل هذا الفعل عُرفًا.
وهذا هو غالب استعماله قال تعالى: {وزلزلوا حتى يقول الرسول الآية} [البقرة: 214].
والمراد بزلزلة المؤمنين شدة الانزعاج والذعر لأن أحزاب العدو تفوقُهم عَددًا وعُدة.
{وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبهمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا (12)}.
عطف على {وإذْ زاغتْ الأبصار} [الأحزاب: 10] فإن ذلك كله مما ألحَق بالمسلمين ابتلاء فبعضه من حال الحرب وبعضه من أذى المنافقين، ليحذروا المنافقين فيما يحدث من بعد، ولئلا يخشوا كيدهم فإن الله يصرفه كما صرف أشدَّه يوم الأحزاب.
وقول المنافقين هذا يحتمل أن يكونوا قالوه عَلَنًا بين المسلمين قصدوا به إدخال الشك في قلوب المؤمنين لعلهم يردونهم عن دينهم فأوهموا بقولهم: {ما وَعَدَنا الله ورسوله}. إلخ.
أنهم ممن يؤمن بالله ورسوله، فنسبة الغرور إلى الله ورسوله إما على معنى التشبيه البليغ وإما لأنهم بجهلهم يجوزون على الله أن يغرّ عباده، ويحتمل أنهم قالوا ذلك بين أهل ملتهم فيكون نسبْة الوعد إلى الله ورسوله تهكمًا كقول فرعون {إنّ رسولكم الذي أُرْسل إليكم لمجنون} [الشعراء: 27].
والغرور: ظهور الشيء المكروه في صورة المحبوب، وقد تقدم عند قوله تعالى: {لا يغرنّك تقلُّبُ الذين كفروا في البلاد} في سورة آل عمران (196)، وقوله تعالى: {زُخْرف القول غرورًا} في سورة الأنعام (112).
والمعنى: أن الله وعدهم النصر فكان الأمر هزيمة وهم يعنون الوعد العام وإلاَّ فإن وقعة الخندق جاءت بغتة ولم يُرْوَ أنهم وُعدوا فيها بنصر.
{والذين في قلوبهم مرض} هم الذين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر فأخلصوا يومئذ النفاق وصمّمُوا عليه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُوا اذكروا نعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا}.
أمر الله جل وعلا المؤمنين في هذه الآية الكريمة: أن يذكروا نعمته عليهم حين جاءتهم جنود وهم جيش الأحزاب، فأرسل جل وعلا عليهم ريحًا وجنودًا لم يرها المسلمون، وهذه الجنود التي لم يروها التي امتن عليهم بها هنا في سورة الأحزاب، بين أنه من عليهم بها أيضًا في غزوة حنين، وذلك في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْن عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبرينَ ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكينَتَهُ على رَسُوله وَعَلَى المؤمنين وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 25- 26] الآية، وهذه الجنود هي الملائكة، وقد بيَّن جل وعلا ذلك في الأنفال في الكلام على غزوة بدر، وذلك في قوله تعالى: {إذْ يُوحي رَبُّكَ إلَى الملائكة أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الذين آمَنُوا سَأُلْقي في قُلُوب الذين كَفَرُوا الرعب فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا منْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12] الآية، وهذه الجنود التي لم يروها التي هي الملائكة، قد بين الله جل وعلا في براءة أنه أّيَّدَ بها نبيه صلى الله عليه وسلم وهو في الغار وذلك في قوله: {إلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُوا ثَانيَ اثنين إذْ هُمَا في الغار إذْ يَقُولُ لصَاحبه لاَ تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكينَتَهُ عَلَيْه وَأَيَّدَهُ بجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40] الآية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ}.
أراد الحق سبحانه أنْ يُدلّل على قوله لرسوله في الآيات السابقة: {وَتَوَكَّلْ على الله وكفى بالله وَكيلًا} [الأحزاب: 3] فجاء بحادثة جمعتْ كل فلول خصومه، فقد سبق أن انتصر عليهم متفرقين، فانتصر أولًا على كفار مكة في بدر، وانتصر على اليهود في بني النضير وبني قينقاع، وهذه المرة اجتمعوا جميعًا لحربه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لن يؤثر جمعهم في الصدّ عن دعوتك، وسوف تُنصَر عليهم بجنود من عند الله.
إذن: فحيثية {وتوكل على الله} هي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُوا اذكروا نعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 9] النعمة: الشيء الذي يخالط الإنسان بسعادة وبشْر وطلب استدامته، وهذه الصفات لا تتوافر إلا في الإيمان؛ لأن استدامة النعمة فيه تعدَّتْ زمن الدنيا إلى زمن آخر دائم وباقٍ في الآخرة، وإنْ كانت نعمة الدنيا على قَدْر أسبابك وإمكاناتك، فنعمة الآخرة على قَدْر المنعم سبحانه، فهي إذن: نعمة النعم.
والله تعالى يخاطب هنا المؤمنين، ومعنى الإيمان هو اليقين بوجود إله واحد له كل صفات الجلال والكمال، والله سبحانه يكفي العقل أنْ يهتدي إلى القوة الخالقة الواحدة التي لا تعاند، لكن ليس من عمل العقل أنْ يعرف مثلًا اسم هذا الإله، ولا أن يعرف مراده، فكان ولابد من البلاغ عن الله.
وسبق أنْ مثَّلْنا لذلك بمَنْ يطرق علينا الباب، فنتفق جميعًا بالعقل على أن طارقًا بالباب، هذا هو عمل العقل، لكن أمن عمل العقل أن نعرف مَنْ هو؟ أو نعرف مقصده من المجيء؟ وهذا ما نسميه التصور.